25 يناير 2017

على رصيف الذاكرة

على رصيف الذاكرة 
فيصل سعيد الغتنيني


ترحل الأيام.. تنطلق إلى ما وراء البحار..تغادر بعيداً حيث لا عودة، أيام تحمل في طياتها مشاهد، فمهما كبرنا تظل بعض هذه المشاهد راسخة في الأذهان ومن المشاهد ما يحمل أحلاما تندثر كالسراب عندما يتقدم المرء خطوات باتجاهها فتعتصر عيناي لاندثارها فتقذف دمع كما تقذف السماء قطرات المطر فتبلل بكثافتها وجنتاي القاحلتين وتمتص مشهد الصحراء ليمتلئ أخاديد وجهي المكفهر بالمياه المالحة..كل شي من حولي أصبح شاحبا حتى السماء فقدت جمالها واختفت نضارتها فاختفى معه بريقها الساطع فينتابني حزن ثقيل ينوء به قلبي ومرارة عارمة تلفح ما تحميه أضلعي أكاد أختنق فلا أحتمل البقاء.

الذكريات تنسنس في مخيلتي كالنسيم حين ينطلق من ثغر البحر ليصطدم بالأزهر فيكلل سكون المكان بالأريج..تتجه ذاكرتي نحو مسرح فضي يضيء بنوره الأفق حين تتلاحم السحاب..أذكر يوم كنا نلعب والمياه الساقطة من السماء تحفنا فتغمرنا في حب لاهب الماء ينساب رقراقا يدك ملابسي فيقشعر بدني وتصطك أسناني فأنزوي إلى ركن من سيول المطر. وبعد أن تتوقف السماء ننطلق جميعاً صوب التلال لمشاهدة الألوان التي تكسو الأفق بفستان أنيق فتعزف الشمس بأوتارها لتشدو السحاب الممزقة ألحانا وكأن السماء في عرس بهيج..حتى النجوم بالرغم من غيابها كانت تشارك بأسلوبها في الاحتفال. في قلب هذا المشهد وقبل أن يزف الموكب إلى مكانه المجهول رأيت موج يتكسر خجلا في عينين واسعتين فيتوه قلبي في الدروب لأغرق في موج كالجبال أجدف بعيني بعيداً محاولا النجاة لكن سرق المشهد برمته واحتل المكان. .حتى الكلام كان يشبه الروض حين يصافحه الندى..كلمات تنبت من مآقي العين حين يغرسها القلب فتثمر ورودا بيضاء انصع بياضا من الثلج المتساقط على ظهر الغراب
كلمات لا تعني لي شيء حينها لكنها الآن وبعد أن كبرت تعني لي حكايات تلاشت جميعها لتبقى مجرد ذكريات.


نشرة المسرة العدد الثالث 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا زائرنا الكريم يسعدنا كثيرا ان تنشر تعليقاتك واقتراحاتك

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.