06 مارس 2013

أضواء على المقدمة والخاتمة في قصائد الشاعر عبود بن عمرو الغتنيني


الذهب من معدنه


أضواء على المقدمة والخاتمة في قصائدالشاعر عبود بن عمرو الغتنيني


  بقلم/ هاني عبود الغتنيني

1.   يزيّن الشاعر  الكبير عبود بن عمرو الغتنيني رحمه الله قصائده بالتزام الثناء على الله ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم في ابتداء قصائده وانتهائها والتوسع في ذلك بتعبيرات متنوعة وعبارات رائعة وعندما نمعن النظر في اهم الصور البلاغية كالكناية وغيرها واختيار الألفاظ ذات الدلالات العميقة.
2.  الالتزام بقواعد لغوية معينة كحذف النون من كلمة الفين عند الإضافة واستخدام ما بعد كلمة عد إذا جاء بعدها اسم.

يراسل الشعراء بعضهم بعضاً بالقصائد في مناسبات مختلفة لطرق موضوعٍ ما وقد لا ترس هذه الظاهرة ونلمح الروح الدينية المتعمقة فيها نجد أنفسنا أمام مدرسة متكاملة لها خصائصها الفنية ومكوناتها الثقافية .
وهذه الظاهرة جديرة بالدراسة والتحليل وسنقوم بشيء من ذلك لإبرازها وتسليط الضوء عليها من خلال استعراض نماذج لبعض القصائد ولكن لابد لنا قبل ذلك من معرفة أهم المؤثرات وأبرز المكونات لثقافة الشاعر والتي جعلته يتجه هذا الاتجاه الديني في قصائده ويطيل النفس فيها ولعل أهمها :-

1- اتجاه الشاعر رحمه الله في الحياة نحو الزهد والورع في زمن عمّ فيه الجهل والبعد عن تعاليم الإسلام  وآدابه الفاضلة وهذا له أكبر الاثر في صبغ شعره بالطابع الديني وخاصة مقدمة القصيدة وخاتمتها .
2- تعلّم القران وتعليمه فقد كان الشاعر من القلائل الذين يهتمون بالدارسة و العلم ويجيدون القراءة والكتابة ولم يقف به الأمر عند هذا الحد بل قام بفتح ما يشبه الكتاتيب يدرس فيها القراءة والكتابة والقران الكريم وقد  تخرج على يديه كثير من الطلاب من أبناء منطقته والمناطق المجاورة .
ويعد القران الكريم أعظم رافد ومهذب لموهبته الشعرية ويتجلى هذا الأمر في شعره بشكل عام ومقدماته بشكل خاص.
3- المذهب الديني السائد في ذلك الوقت وما يتضمنه من المدائح النبوية والأناشيد الإسلامية التي تردد في المناسبات الدينية.

وأول ما نبدأ به استعراضنا  لمقدمات القصائد وخاتمتها عند الشاعر عبود بن عمرو رحمه الله ،هذه الأبيات التي ينادي فيها موهبته الشعرية المتدفقة ويحدد لها ما ينبغي أن تفتتح به القصائد الا وهو ذكر الله وأسمائه وصفاته وتوحيده ويبين أن هذا من المسائل الكبرى التي لا يتكلم فيها غير العلماء يقول في هذا :
يا لهيوظ بدي بالله ***ما حد غيره في الوجود *** لا شريك ولا شبيه
ذا  الكلام  يبي تنبيه *** المســائل   الغزار   *** ما يفتيهن لا الفقيه
اذا فهذه هي القاعدة التي ينطلق منها الشاعر وهذا هو المسار الذي اختطه  لقصائده وهو نابع عن عقيدة صافية ورؤية واضحة وليس تقليدا متبعا فحسب .
وثقافة الشاعر الدينية جعلت استهلاله للقصائد يتنوع في ذكر صفات الخالق سبحانه وأسمائه الحسنى ويتوسع في الثناء عليه ومدح رسوله صلى الله عليه وسلم يقول في مقدمة إحدى قصائده :
وبديت بالرحمن جلا ربنا                عالم بالكائن وذي هو بايكون
والفين صلوا عالنبي يشفع لنا              في يوم لا مال ولا ينفع بنون
فهنا يبدا باسم الرحمن وصفة العلم الشامل لما كان وما سيكون ومع قوة الجرس الموسيقي في قوله جلا ربنا نحس احساسا قويا بالتعظيم والاجلال لله عز وجل يفيض من قلب مؤمن على لسان شاعر
وفي الشطر الاخير يلتفت الشاعر الى القرآن يقتبس من قوله تعالى   (يوم لا ينفع مال ولابنون ) هذه
الموعظة البليغة .

اما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيأتي بها الشاعر في مطلع القصيدة أحيانا أو يتركها للخاتمة أحيانا كثيرة وقد يجمع بينهما ،وهو ينوع أيضا في التعبير عن النبي صلى الله عليه وسلم فيقول عنه النبي ،سيد المرسلين ،أحمد ،بو فاطمة ،طه ، الشفيع وغيرها وكثيرا ما يحدد عدد الصلاة على النبي بالألفين وهو لا يقصد العدد ذاته وإنما يحتمل أن المراد التكثير من الصلاة او ان الشعراء تعارفوا على هذا العدد وجرت عليه عادتهم في هذا الموضع ،ويلاحظ أن الشاعر يحذف النون عند الإضافة فيقول ( والفي ) اتباعا لقاعدة حذف نون المثنى المضاف .
ولنأخذ الآن هذه الأبيات لنرى فيها ما سبق ان تحدثنا عنه:
وبديت بالفرد المتين                  جلا تعالى ربنا عما يقول الملحدين
آيات بالحق المبين                    والأمر كله والبقا لله رب العالمين
صلوا على الهادي الأمين            المصطفى بو فاطمة خاتم جميع المرسلين
أحمــد شفيع المذنبين           في يوم بأرض الساهرة جمع الخلائق واقفين

مما يلفت النظر في الابيات المتقدمة كثرة أوصاف الرسول فيها ،ومن التناسب الجميل ذكر الشفاعة ويوم القيامة في الشطر الاخير لما بينهما من تلازم ،واستخدام كلمة (الساهرة ) يدل على استلهام التعبيرات القرآنية وتعني القيامة وذلك في قوله تعالى  (فإذا هم بالساهرة ).
واستطاع الشاعر بكلمات قلائل أن يصور لنا مشهدا رهيبا من مشاهد يوم القيامة مشهد يحفه الخوف والصمت والسكون كل هذا بقوله (جمع الخلائق واقفين )وفي أثناء هذا السكون نلمس الحركة في ذهاب النبي عليه الصلاة والسلام ليناجي ربه ويشفع للناس.
واذا رجعنا إلى اهتمام الشاعر بالثناء على الله تعالى والابتداء بذكره نجد الدقة في اختيار الاسم وتناسب ذلك مع ما بعده أو مع موضوع النص فمثلا قوله (وبديت بالفرد المتين ) مناسب مع ذكر الملحدين لأنهم لا يؤمنون بوجود الله الواحد الأحد ،وفيه ايضا رد على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر 0 ومثله قوله في الجمع بين العلم والرحمة    اللذين ذكرا معا في القرآن في أكثر من موضع حيث يقول :
وبديت بالرحمن جلا ربنا              عالم بالكائن وذي هو با يكون

والشاعر حينما يريد الاستكثار من ذكر الله لا يحصر ذلك بعدد معين وانما يعبر عنه بما لا حصر له من الظواهر الكونية والتي هي من آيات الله كالمطر والبرق والرعد والشجر أو الأعمال الصالحة المتكررة كالصلاة وقراءة القرآن.
ونأخذ الآن هذه المقدمة الجميلة التي استهل بها الشاعر القصيدة المشهورة التي لها مكانتها التاريخية والفنية يقول فيها :
وبديت  بك  يا ألهي  لي  عليك  الوكل
وبديت بك عد ما طلعن طهوب  السبل
عد  المطر  والشجر  وثمارها  والعمل
وألفي صلاتي على أحمد سرمدا لم تزل
و الآل والصحب عزوا الدين والكفر ذل
لي  جاهدوا  بالسيوف  الباترة  والنصل
ودولة  الحق  عالية  عا   جميع   الدول
وملة  المصطفى  نسخت  جميع   الملل
ويشدنا في هذا المقطع سلاسة الأسلوب وترابط الأبيات وانسيابها بكل سهولة وبعدها عن التكلف وهذا ما يحسه  القارئ لقصائد الشاعر رحمه الله.
وابتدأ بصفة التوكل والاعتماد على الله لمناسبته لموضوع النص الذي يتحدث عن الضياع والفقدان , وفي البيتين الثاني والثالث نرى الترتيب البديع فقد ذكر السحاب ثمّ المطر ثمّ الشجر ثمّ الثمر ثمّ العمل وهو ما تأكله الحيوانات ,واستخدام الشاعر لألفاظ مثل[ سرمدا , الباترة ] يدل على  امتلاك لغة غنية بالمفردات الفصحى . وفي قوله[ الكفر ذل ] دلالة على هزيمة الكفار وأما قوله [ ودولة الحق عالية ] فهو كناية عن الانتصار والهيمنة ,وكذلك الحال في قوله[ نسخت جميع الملل].
وهذه مقدمة أخرى لا تقل روعة وجمالا عن المطلع السابق يقول فيها :
وبديت بك يا ألهي  يا قوي يا صمد
وبديت عد ما بارق وراعد    رعد
ونشا مناشي على فرعان وادي عسد
وعد  قاري   قرا  وركع ولله سجد
كرر الشاعر كلمة[ وبديت ]مرتين فالأولى يخاطب فيها الله تعالى والثانية يذكر فيها المقدار والعدد وهو مالا حصر له ولا انتهاء وقد جاء هذا التكرار في المقدمة التي قبلها .

وغالبا ما يذكر في البيت الأول عبارة [وبديت بك يا الهي ]وهي تشتمل على النداء وكاف الخطاب وهما يدلان على القرب والمناجاة. وهناك فعل محذوف في قوله [عد ما بارق وراعد رعد ] دلّ عليه السياق أي ما برق بارق وهذا النوع من الحذف يعد من التعبيرات الجميلة التي تميزت بها لغة العرب وكثر استخدامه فيها
والشاعر يستخدم ما بعد كلمة عد بالنظر الى ما بعدها فأن جاء بعدها اسم فأنه لا يأتي بعدها بما وأن كان بعدها فعل مذكور أو مقدر يأتي بعدها بما وهذا يدل على ذوق لغوي وفني سليم التزمه في قصائده فقد قال :
وبديت بك عد ما طلعن طهوب السبل
وقال:  وبديت بك عد ما بارق وراعد رعد
ويحذف كلمة ما عندما يكون بعد( عد) اسم كما في قوله :
عد المطر والشجر وثمارها والعمل
وقوله  :      وعد قاري قرا وركع ولله سجد
وقوله  :     عد قاري قرا السجدة وعمّ وتب
وأما قوله[ ونشا مناشي على فرعان وادي عسد ] فقد خص وادي عسد الجبل بالذكر لأنه قال القصيدة وهو في عسد الجبل ولما لهذه المنطقة ايضاً من مكانة تاريخية رفيعة في نفس الشاعر , والمناشي هي السحاب يُقال نشأت السحابة أي ارتفعت .وفي البيت الأخير ترتيب لأركان الصلاة القراءة والركوع والسجود وذكر الأشياء مرتبة يدل على رهافة الحس وتوقد الذهن وهذه من ابرز صفات الشاعر فلا تجد كلمة وضعت في غير موضعها ولا بيتاً فصل عن سياقه وهذاما جعل قصائد الشاعر عبود بن عمرو رحمه الله تسير على الألسنة كالماء العذب فتنشرح لها النفوس وتطرب لها الأسماع .وفي قوله ولله سجد تقديم ماحقه التأخير وهو يفيد الحصر والاختصاص أي اختصاص الله وحده بالعبادة .
وهذه نماذج لبعض المطالع التي صدر بها الشاعر قصائده  ,وهي مقدمات مقتضبة بالنظر إلى ما استعرضنا قبلها يقول في إحداها :
وبديت  بك   يا إلهي  يا قوي   يا متين
و الفي صلاتي على المختار طه الأمين
ويقول في أخرى  :
وبديت  بك  يا رفيع  المنزلة            يا خالق الكونين يا جبارها
والفي صلاتي على بو فاطمة         هو سيد الأمة وهو مختارها
ويقول أيضا ً :
وبديت بك يا إلهي عد بارق وخب
وعد قاري قرأ السجدة وعمّ  وتب

وبعد أن وقفنا أمام نماذج للمقدمات الشعرية  نخلص إلى نهاية القصيدة لنرى بماذا يختم الشاعر قصائده ؟
والخاتمة لا تقل أهمية عن المقدمة والشاعر يختم قصيدته بالصلاة على النبي  والدعاء بحسن الخاتمة ,وأول ما يبدأ الشاعر في خاتمة القصيدة كلمة ((والختم )) أو ((الخاتمة )) إيذاناً بانتهاء موضوع النص .
يقول الشاعر في نهاية إحدى قصائده :
يا لله عسى خاتمة زينة  على حسن عمل
ونزور مكة ونحضر  عا وقوف  الجبل
ونزور قبر النبي  المختار ختم الرسل
صلى  عليه  إله   الحق   عز وجل
وامر  عباده  يصلوا  في   كتابة نزل
ففي البيت الاول يدعو الله أن يحسن الخاتمة على الاعمال الصالحة فالشاعر بحسه المرهف يتذكر بخاتمة القصيدة خاتمة الحياة وانتهائها وأن لكل شيء خاتمة , وفي البيتين الأخيرين إشارة واضحة إلى قوله تعالى :
{ إن الله وملائكته يصلون على النبي ---- } الآية

وقد جرت عادة الشاعر في ختم القصيدة على أن يطلب من المستمع والقاري أن يصلوا على النبي عليه الصلاة
والسلام وفي هذا يقول :
والختم صلوا عالنبي الهادي شفيعي حمد
والآل  والصحب  ما غابت وما  فجر مد
وهنا يستوقفنا قوله ((ما غابت وما فجر مد )) فالضمير هي في كلمة غابت يعود على مالم يذكر من قبل اعتماداً على فهم السامع ودلالة السياق ولذلك شواهد  منها قوله  تعالى (( كلا إذا بلغت التراقي )) أي الروح وهي لم تذكر من قبل  وغياب الشمس دلالة على تعاقب الليل والنهار , وأخيراً نختم بهذين البيتين اللذين ختم الشاعر بهما اثنتين من قصائده فقد قال :
والختم صلوا على أحمد سيد المرسلين
وقال :     والختم صلوا على الهادي رفيع النسب


ومن خلال ما تقدم نستطيع أن نوجز أهم الخصائص لمطلع القصيدة وخاتمتها في الآتي :
1.     التزام الثناء على الله تعالى وتمجيده وذكر رسول الله  بتعبيرات مختلفة ناتجة عن ثقافة دينية وعاطفة إيمانية
2.     اختيار الظواهر الكونية والاعمال التي لا حصر عند إرادة التكثير والمبالغة في ذكر الله يبدؤها بكلمة [عد] والالتزام بالعدد ألفين عند الصلاة على النبي
3.     سلاسة الأسلوب ومناسبة المقدمة لموضوع القصيدة غالباً
4.     اقتباس آيات من القرآن الكريم أو الإشارة اليها

تصوير المواقف المختلفة بعبارات جميلة واستخدم القصيدة إلى الشاعر مباشرةً وإنما تحال إليه من قبل الاشخاص المعنيين ارتضاء منهم لشاعريته أن تكون لسانهم في الجواب عنهم وقد تستهدف قبيلة الشاعر بالقصيدة فتكون حينئذٍ موجهة إليه وهو المعني الأول بالرد عليها . وقد ضمت مراسلات الشاعر عبود بن عمرو هذه الأنواع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا زائرنا الكريم يسعدنا كثيرا ان تنشر تعليقاتك واقتراحاتك

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.