25 يناير 2017

بين نصين

بين نصين
محمد عبيد الغتنيني

الفخر - وإن تعددت أغراضه -سمة اشترك فيها الشعراء قديماً وحديثاً ، حيث لم يقتصر الفخر على الشعر الفصيح ، بل صار أهم سمة يتعالى فيها الشعر الشعبي ( الزامل - الهبوت ) إذ تبارى الشعراء في الفخر بشعرهم وقومهم ، ولعلنا نلمح ذلك جلياً في هذين النصين :

قال احد الشعراء:
ظويت من صيق عكل . . . لي هو عا طريق السيل يتوحّز لا معزل
بارق في القزع يكـــل . . . وصحابي عالطراف بالقريزي والنصـل
جواب الشاعر/ عبود بن عمرو الغتنيني:
بحر الحيوس رقــل . . . يوم عاين المخـــــال وطهــوب النو قبل
لا تحسبنا بيت جفل . . . صافي ومسقاي بميس وحديدي مي فتل


فالشاعر الاول يصور نفسه سيلاً عارماً يدمر من يقف في طريقه ، وهو توظيف جميل للطبيعة ، فالسيل رمز للشاعر والذي يعزز من قوته قومه ( وصحابي عالطراف بالقريزي والنصل ) ، وحينما غالى الشاعر في ثقته بنفسه وقومه وحق له ذلك -فنعم هم - تفاجأ بصمود كصمود الجبال 
( لاتحسبنا بيت جفل .. صافي ومسقاي بميس وحديدي ميفتل ) ، وإذا دققنا النظر في النصين نجد أن الشاعر في النص الأول تفاخر بنفسه وقومه مصوراً كثرتهم بالسيل القادم من بعيد ( صيق عكل ) الذي يملأ الوادي ، أما النص الثاني والذي أبرع فيه الشاعر في توظيف الطبيعة ، فكلنا يعلم أن البحر نهاية كل سيل مهما بلغت عظمته ، غير أن الشاعر لم يكتفي بذلك بل صور أن هذا البحر ثائراً غاضباً يترقب وصول السيل ليسحقه ( بحر الحيوس رقل .. يوم عاين المخال وطهوب النو قبل ) ولعلنا نلحظ أن الشاعر اكتفى بنفسه لصد هذا السيل ولم يستدعي قومه فالأمر لم يبلغ ذلك فهو كفيل بردعه ( حصن ساسي عافضل .. ومدرب الشباك وحديده ميندخل ) ؛ إذن ( فالسيل والبحر والحصن والشباك ) عوامل بيئية والشاعر الجيد من يحسن توظيفها توظيفاً قادراً على حمل المعنى الذي أراده . ولعل خير مانختم به سطورنا تحول الشاعر من الفخر إلى الاعتذار ( ماجعلتك في المحل ... يابوعمرو لاياسد عالمعابر والختل...).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا زائرنا الكريم يسعدنا كثيرا ان تنشر تعليقاتك واقتراحاتك

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.