بين نصين
محمد عبيد الغتنيني
الفخر - وإن تعددت أغراضه -سمة
اشترك فيها الشعراء قديماً وحديثاً ، حيث لم يقتصر الفخر على الشعر الفصيح ، بل
صار أهم سمة يتعالى فيها الشعر الشعبي ( الزامل - الهبوت ) إذ تبارى الشعراء في
الفخر بشعرهم وقومهم ، ولعلنا نلمح ذلك جلياً في هذين النصين :
قال احد الشعراء:
ظويت من صيق عكل . . . لي هو عا
طريق السيل يتوحّز لا معزل
بارق في القزع يكـــل . . . وصحابي عالطراف بالقريزي والنصـل
بارق في القزع يكـــل . . . وصحابي عالطراف بالقريزي والنصـل
جواب الشاعر/ عبود بن عمرو
الغتنيني:
بحر الحيوس رقــل . . . يوم
عاين المخـــــال وطهــوب النو قبل
لا تحسبنا بيت جفل . . . صافي ومسقاي بميس وحديدي مي فتل
لا تحسبنا بيت جفل . . . صافي ومسقاي بميس وحديدي مي فتل
فالشاعر الاول يصور نفسه سيلاً
عارماً يدمر من يقف في طريقه ، وهو توظيف جميل للطبيعة ، فالسيل رمز للشاعر والذي
يعزز من قوته قومه ( وصحابي عالطراف بالقريزي والنصل ) ، وحينما غالى الشاعر في
ثقته بنفسه وقومه وحق له ذلك -فنعم هم - تفاجأ بصمود كصمود الجبال
( لاتحسبنا بيت
جفل .. صافي ومسقاي بميس وحديدي ميفتل ) ، وإذا دققنا النظر في النصين نجد أن
الشاعر في النص الأول تفاخر بنفسه وقومه مصوراً كثرتهم بالسيل القادم من بعيد (
صيق عكل ) الذي يملأ الوادي ، أما النص الثاني والذي أبرع فيه الشاعر في توظيف
الطبيعة ، فكلنا يعلم أن البحر نهاية كل سيل مهما بلغت عظمته ، غير أن الشاعر لم
يكتفي بذلك بل صور أن هذا البحر ثائراً غاضباً يترقب وصول السيل ليسحقه ( بحر
الحيوس رقل .. يوم عاين المخال وطهوب النو قبل ) ولعلنا نلحظ أن الشاعر اكتفى بنفسه
لصد هذا السيل ولم يستدعي قومه فالأمر لم يبلغ ذلك فهو كفيل بردعه ( حصن ساسي
عافضل .. ومدرب الشباك وحديده ميندخل ) ؛ إذن ( فالسيل والبحر والحصن والشباك )
عوامل بيئية والشاعر الجيد من يحسن توظيفها توظيفاً قادراً على حمل المعنى الذي
أراده . ولعل خير مانختم به سطورنا تحول الشاعر من الفخر إلى الاعتذار ( ماجعلتك
في المحل ... يابوعمرو لاياسد عالمعابر والختل...).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا وسهلا زائرنا الكريم يسعدنا كثيرا ان تنشر تعليقاتك واقتراحاتك
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.