30 يوليو 2013

طرائف أدبية


طرائف أدبية
                                                    بقلم/ هاني عبود الغتنيني

 إن الأدب العربي صورة صادقة للحياة فقد أولع العرب  بالتعبير الجميل والتصوير البديع بكل المواقف التي تمر بهم صغيرة كانت أو كبيرة وكان للشعر الحظ الأوفر في ذلك فقد عبّروا  به عن مشاعرهم المختلفة ووثقوا به أدق تفاصيل حياتهم كل ذلك في قوالب فنية خلابة.
لقد فتن القوم بالكلمة الفصيحة والعبارة البليغة أيما افتتان وتنافسوا في هذا الميدان ولذلك ذهلوا عندما سمعوا  القرآن يتلى بأفصح لسان وعجزوا أن يأتوا بمثله وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان .
إن مطالعة الأدب العربي متعة وفائدة  لما فيه  من الحكم وتجارب الحياة وبدائع  التشبيّه وعذوبة الألفاظ ولما اشتمل عليه من الطرائف والنوادر وهو أيضا ثروة لغوية متنوعة الأساليب والتراكيب تعين على تدبر كلام الله تعالى وكلام رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وفيهما فهماََ صحيحا وما أعظمها من فائدة و إليك أخي القارئ الكريم طرفا من طرائف الأدب وهو قطرة من بحر وغيض من فيض:
-        عمرو بن شأس الأسدي  شاعر جاهلي إسلامي  كان ذا شرف ومنزلة في قومه أسلم في صدر الإسلام وشهد القادسية,يقول لامرأته وكانت سيئة المعالة لابنه عرار:
أ رادت عرارا بالهوان ومن يرد***عرارا بالهوان فقد ظلم
فإن كنت مني أو تريدين صحبتي***فكوني له كالسمن ربت له الأدم
وإلا فبيني مثل ما بان راكب***تيمم خمسا ليس في سيره أمم
وإن عرارا وإن يكن ذا شكيمة ***تقاسينها منه فما أملك الشيم
وإن عرارا وإن يكن غير واضح***فإني أحب الجون ذا المنكب العمم

دخل على عبد الملك بن مروان وفد الكوفة ومعهم رجل آدم(اسمر)طويل فكلمه فأعجبه بيانه فلما تولى تمثل عبد الملك بقول عمرو بن شأس:
وإن عرارا وإن يكن غير واضح***فإني أحب الجون ذا المنكب العمم
فالتفت الرجل وضحك فقال عبد الملك :علي به فلما جئ به قال :ما أضحكك؟
قال :أنا عرار يا أمير المؤمنين فأقعده معه وسامره حتى خرج.
فانظر كم بين قول عمرو بن شأس  لأبياته في ابنه وتمثل عبد الملك بن مروان بها وانظر الى هذا التوافق العجيب .
قوله غير واضح الواضح الأبيض الحسن اللون،الجون الأسود ،والعمم الطويل التام،الشكيمة الأنفة والإباء.

-        أرطاة بن سهية ويكنى أبا الوليد أدرك الجاهلية وعاش إلى خلافة عبدالملك بن مروان ،دخل على عبد الملك بن مروان وقد أتت عليه مائة وثلاثون سنة فقال:له عبد الملك :هل تقول اليوم شعرا؟
فقال كيف أقول وأنا ما أشرب ولا اطرب ولأ أغضب وإنما يكون الشعر على هذا ؟وأنا الذي اقول :
رأيت المرء تأكله الليالي *** كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقى المنية حين تـأتي***على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنها ستكر حتى *** توفي نذرها بأبي الوليد

ففزع عبد الملك واضطرب عندما قال توفي نذرها بأبي الوليد
فقال :أرطاة إنما عنيت نفسي فقال: عبد الملك وأنا أيضاَ.
وتأمل دقة التشبيه حين شبه إصغاف الليالي للإنسان وأخذها منه شيئا فشيئا بالحديد تأكله الأرض.
-        أتى سليمان بن عبد  الملك بأسرى من الروم وعنده الفرزدق فقال له قم فاضرب أعناق هؤلاء , فاستعفاه من ذلك فلم يعفه ودفع إليه سيفا كليلا , فقام الفرزدق فضرب به عنق رجل منهم فنبا السيف فضحك سليمان بن عبد الملك ومن حوله فقال الفرزدق:
ما يعجب الناس أن أضحكت خيرهم***خليفة الله يستسقي به المطر
لم ينب سيفي من رعب ولا دهش ***عن الأسير ولكن آخر القدر
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها   ***  جمع اليدين ولا الصمامة الذكر

وفي ذلك يقول جرير :
بسيف أبي رغوان قين مجاشع***ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم

فأجابه الفرزدق:
ولا نقتل الأسرى ولكن نكفهم ***إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
وهل ضربة الرمي جاعلة لكم***أبا عن كليب أوأخا مثل دارم

وكان آباء الفرزدق أهل مكارم ومفاخر بخلاف جرير.

# نشرة المسرة العدد (0)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا وسهلا زائرنا الكريم يسعدنا كثيرا ان تنشر تعليقاتك واقتراحاتك

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.